الجمعة، 8 أبريل 2016

التجربة اليابانية: أذهب إلى المدرسة لكي أكون سعيدا


التجربة اليابانية: الحلقة الثانية
"أذهب إلى المدرسة لكي أكون سعيدا"
 في مقال الأسبوع الماضي كتبتُ عن الأم اليابانية ودورها الكبير في نجاح التجربة اليابانية في التعليم وبالتالي في شتى المجالات الأخرى. وهنا وقبل أن أبدأ في موضوع حلقة هذا الأسبوع أحب أن أشكر كل من تواصل معي بالاتصال أو عن طريق الواتسأب أو بالمشاركة على الفيس بوك أو بالرسائل على الخاص في تويتر اعجاباً بمقال الأسبوع الماضي. فشكرا
جزيلا لكم أيها الأحبة والشكر موصول لكل من يتابع كتاباتي على مدونتي الخاصة بي. وفي حلقة هذا الأسبوع سأتحدث عن العامل الثاني من عوامل نجاح التجربة اليابانية في التعليم والاقتصاد.
 في اليابان يبدأ اليوم الحقيقي للعمل من الساعة الخامسة فجرا تقريبا حيث تزداد حركة القطارات والباصات بين المحطات لتنقل العاملين من محطة لأخرى لتلبية احتياجات المستفيدين للوصول لمقرات عملهم. أما أنا فلم أكن أتأثر بتلك القطارات لكوني كنت أسكن في سكن الطلاب الأجانب داخل حرم جامعة طوكيو قاكوجى. والجميل في شقتي التي كانت تتكون من غرفتين صغيرتين وصالة مرتبطة بركن يستخدم كمطبخ وبقية المنافع الأخرى، أنها تقع في مبنى سكن الطلاب الأجانب والذي يسمى باليابانية "الريوققسى كيوكان" وكنا نُعتبر طلاب أجانب كوننا غير يابانيين طبعا. المهم والجميل في هذه الشقة الصغيرة أنها كانت بجوار مدرسة ابتدائية للبنين والبنات وكنت أسمع منها أصواتهم بينما كنت أتناول وجبة الإفطار قبل خروجي للجامعة. والحقيقة أنني كنتُ شغوفا بمعرفة ما يتم داخل المدارس اليابانية كوني مبتعث ضمن برنامج للتدريب وتبادل الخبرات في مجال التعليم وطرائق التدريس. كنت أفكر في كل شيء خصوصا وأنني في بداية بعثتي في اليابان الدولة التي يرغب الكثيرين في زياراتها فما بالكم وأنا أتدرب على أرضها وفي إحدى جامعاتها. والكل يعلم أن التعليم الياباني أو المدرسة اليابانية تتقدم على الكثير من نظيراتها في الغرب والشرق. وبالتأكيد أن لها دور كبير في تأهيل العاملين في شتى المجالات. فالعامل الياباني في ساحات المصانع يستطيع التعامل مع أكثر مسائل الرياضيات تعقيداً ويستطيع التعامل مع الرسومات البيانية المعقدة.
المهم أن رغبتي في زيارة المدارس اليابانية تحققت من خلال برنامجنا التدريبي حيث كانت أول زيارة للمدرسة الملحقة بالجامعة التي أتدرب بها وكانت زيارة مهمة كونها أول زيارة لي حيث شاهدتُ الكثير من الخبرات التربوية والتعليمية التي سأنقلها لكم هنا.
حل موعد الزيارة ووصلنا لمدخل المدرسة ومع دخولنا شاهدتُ بعض الطلاب في مجموعات في حديقة المدرسة يفحصون بعض أنواع النباتات ويتناقشون فيما بينهم ثم يسجلون ما توصلوا إليه في ملفاتهم التي كانوا يحملونها. أعجبني ما شاهدت فسألت مرافقنا الياباني الذي كان مكلفا بالترجمة للوفد من اليابانية للإنجليزية عما يفعله الطلاب وكنت أعرف الإجابة لكن للتأكد فرد بما معناه أن الطلاب يؤدون واجبا عملياً ضمن درس العلوم. فواصلنا طريقنا تجاه مدخل المدرسة الذي كان يقف أمامه مدير المدرسة مرحبا بالجميع ومصافحا لجميع أعضاء وفد الزيارة فردا فردا وكان يقف خلف مدير المدرسة رجل أخر ويبدو أنه من العاملين في المدرسة يعمل كرجل أمن للمدرسة يرحب بنا ويرشدنا ببعض التعليمات باللغة اليابانية، التي لم نكن نفهمها في ذلك الوقت، لكي نضع مظلاتنا المطرية في صندوق خاص بها ثم نخلع أحذيتنا أعزكم الله ونلبس غيرها مخصصة  من المدرسة للحفاظ على بيئة المدرسة نظيفة مع حفظ أحذيتنا أعزكم الله في أماكن خاصة بها. من هنا سيتبادر إلى ذهنك ثقافة النظافة والحفاظ عليها بالتالي ستكون ضمن من يحافظون على النظافة في المدرسة وستترك المكان أفضل مما وجدته.

داخل الفصول كنا نرى الطالب الياباني يجلس بانتظام وترتيب على طاولة ومقعد لا يختلف كثيرا عن مقاعدنا وطاولاتنا، يرتدي الزي الخاص بالمدرسة وأمامه كتاب يكتب فيه، وفي بعض الفصول الأخرى تجد طلاب يلتفون حول بعضهم يعملون في مجموعات للتغلب على مشكلة أو أسئلة ما ضمن إجراءات الدرس. وفي الممرات تجد الطلاب والطالبات يسيرون بهدوء ويحيونك بكل احترام، وإذا تحدثت مع أحدهم يستمع إليك باهتمام ويشكرك بعد نهاية المحادثة. في المدرسة اليابانية الكل يلتزم بالنظام والاحترام للكبير والصغير.
وخلال الحديث عن برنامج اليوم الدراسي عرفنا أن الطالب يأتي إلى المدرسة ليكون سعيدا .. أي أن المدرسة في اليابان هي سبب سعادة الطلاب. وليست السعادة هنا من خلال كثرة اللعب مع الأقران وكثرة حصص التربية البدنية أو من خلال اللعب بالألعاب الإلكترونية، السعادة التي يحس بها الطالب في المدرسة اليابانية ويتعلمها هي سعادته بما يتوصل إلية من نتائج عملية تطبيقية لما تعلمه نظريا. والمثال على ذلك تلكم الطلاب الذين وجدناهم في فناء المدرسة الخارجي يفحصون بعض أنوان النباتات ويسجلون ملاحظاتهم في ملفات خاصة. السعادة في المدرسة اليابانية مرتبطة بما ينجزه الطالب من نتائج تمكنه من التفوق والتميز. لذلك تجد الجدية والعمل المتواصل هي ميزة الطالب الياباني في كل مراحل الدراسة من المرحلة الابتدائية إلى الجامعية. ومن الجدية والرغبة في التفوق لدى طلاب اليابان أنهم يلتحقون بمدارس تقوية تبدأ مباشرة بعد نهاية اليوم الدراسي حيث يتعلم فيها الطالب العلوم والرياضيات واللغات بكثافة لتقوية قدراته والرفع من مهاراته ليتمكن من دخول أفضل الجامعات.
وهنا نعود لموضوع سلسلة الحلقات عن التجربة اليابانية وعوامل نجاحها ونذكر إنه بالإضافة إلى دور الأم في تربية أطفالها، تأتي مثابرة الطلاب والطالبات اليابانيين وجدهم واجتهادهم في التعلم الذاتي وتقويتهم لمهاراتهم كعامل أخر من عوامل نجاح التجربة اليابانية.
هكذا تعلم الطالب الياباني في البيت وعند دخوله للمدرسة
"يذهب إلى المدرسة ليكون سعيداً".

أما زيارتنا لتلك المدرسة فقد انتهت بمشاركتنا للطلاب بتنظيف مدرستهم كون تنظيف المدرسة والحفاظ على نظافتها يأتي ضمن واجبات الطلاب والطالبات اليومية.

وخذوها مني الفرد الياباني محفز ذاتيا للانجاز.

08-أبريل-2016م
كتبه: أبوبكر بن أحمد علي ولي
بكالوريوس اللغة الإنجليزية
دبلوم في التعليم من جامعة طوكيو قاكوجى باليابان
مشرف إدارة الجودة الشاملة – وزارة التعليم – جازان

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

أتقدم إليكم بالشكر والتقدير على مروركم على مدونتي الخاصة ويسرني الاطلاع على أرائكم.