ماذا يعني أن تكون مديراً
للتعليم؟ وتكون قائداً تربوياً مؤثراً؟
كتب باترك مونتانا في كتاب 2008 "Management " عن تطور مفهوم الإدارة وعبر عن ذلك بذكره لمفهومين
للإدارة في فترتين مختلفتين. حيث كتب:
مفهوم الإدارة من وجهة نظر الجمعية الأمريكية للإدارة في عام 1980م:
"الحصول على الأشياء مُنجزة من خلال الأخرين".
وكتب أن المفهوم الثاني يختلف بأنه يركز على أهمية العاملين في
المنظمة وأهمية تحديد النتائج وانجازها بالمشاركة مع العاملين مع الاهتمام بميول
العاملين في مجال العمل.
وبما أن جميع كتاباتي تأتي كوجهة نظر في الإدارة التعليمية فسيكون
موضوعي هذا عن الإجابة عن سؤال جعلته عنواناً لهذا المقال وهو "ماذا يعني أن
تكون مديرا للتعليم؟ وكيف تكون قائدا تربوياً مؤثراً؟".
في أحد الأيام قدمت حلقة نقاش لزملائي المشرفين التربويين في وحدة
تطوير المدارس بعنوان "القيادة التعليمية تصنع الفرق" لتفعيل اليوم
العالمي للجودة 2017. واستعرضتُ في شريحة عرض عن مكونات العملية الإدارية:
المدخلات والعمليات والمخرجات وأهمية ضبط الجودة في جميع مراحل الأداء ابتداءً من
اختيار المدخلات إلى عمليات الأداء وكذلك أهمية ضبط جودة المخرجات أولاً بأول.
الشاهد من ذلك هو أنك تستطيع أن تكون مديرا تجلس على مكتبك تنتظر تقارير الأداء
تأتيك بالبريد أياً كان يدوياً تقليدياً أو إلكترونياً حديثاً. وتستطيع كذلك أن
تكون قائداً تعليمياً بخروجك المستمر من مكتبك إلى مقرات الأداء التي يطلق عليها
اليابانيون "الجيمبا" بالاطلاع والمتابعة الشخصية لإجراءات الأداء وضبط
عمليات الجودة وفرص التحسين المستمر يومياً ثم مقارنتها بالتقارير المكتوبة التي
تصلك على مكتبك. نعم تستطيع أن تكون قائداً تعليمياً مؤثراً من خلال وجودك المستمر
أمام المستفيدين في مراكز تقديم الخدمة مثل مركز خدمات المستفيدين في إدارة
التعليم – لا اقصد هنا أنك تجلس على مكتب وتستقبل الشكاوى والطلبات ولكنني أقصد
أن تشاهد العاملين وهم يقدمون الخدمة للمستفيدين – ومقرات تقديم الخدمة التعليمية
في المدارس (الحجرات الدراسية) أو مراكز التدريب التربوية. نعم تستطيع أن تجعل
الأداء يسير نحو الأفضل وتستطيع أن تجعل الأداء في جميع المدارس يسير نحو تقديم
أفضل الخدمات التعليمية للمعلمين والمعلمات كمستفيدين داخليين وللطلاب والطالبات
كمتلقين ومشاركين في عمليات التعليم والتعلم. وبالإضافة لذلك تستطيع أن تنال رضا
المستفيدين الخارجيين والمجتمع بالزيارات المستمرة والتواجد الفعال في كل مكان من
غير مواعيد أو جدولة معلنة. الأمر الذي يجعل الجميع يتوقع حضورك في أي وقت.
كيف؟ .. سأذكر أهم المفاتيح ليكون عوناً في تحديد الإجابة. والمفتاح
هو "المعرفة". والمعرفة هنا من وجهة نظري ثلاثة أقسام: الأول
المعرفة المرتبطة بالمهارات الشخصية الذاتية مع الثقة. والقسم الثاني المعرفة المرتبطة
بالمحتوى العملي في مجال الإدارة التي تعمل بها. والقسم الثالث المعرفة في علوم
الإدارة والقيادة.
في القسم الأول تأتي أهمية المعرفة في كون الإنسان نفسه يعلم مهاراته
وقدراته والتي يأتي منها مهارة إدارة الذات ومهارة التعامل مع الأخرين ومهارة
العمل في فريق وبناء وقيادة فرق العمل ومهارة التحليل العلمي للمشكلات ولواقع
العمل من حولك ومهارة التواصل وإلقاء التعليمات ومهارة تقديم الرعاية والمساعدة
للأخرين للتحسين المستمر لأدائهم.
وفي القسم الثاني تأتي المعرفة بالمحتوى العملي أي المعرفة التامة
بالأهداف التعليمية المحددة من الوزارة والمعرفة بالإجراءات وسير العمليات الإدارية
والتعليمية داخل إدارة التعليم وفي المدارس التابعة لها والمعرفة بقدرات العاملين
ومهاراتهم وميولهم في مجال العمل. وتأتي ضمن هذا القسم المعرفة التامة والتفصيلية
بمجريات ونتائج عمليات التقويم الذاتي والمرحلي وضبط جودة الأداء وجودة المخرجات
لكل الأقسام والمدارس. بالإضافة إلى المعرفة التامة بالتدفقات المالية وتوزيع
الميزانيات.
وفي القسم الثالث تأتي المعرفة في الإدارة والقيادة التربوية كالمعرفة
بنظريات الإدارة المختلفة والتي يأتي منها نظريات إدارة الجودة الشاملة وأدواتها
المختلفة والمعرفة في التخطيط الاستراتيجي والتخطيط التشغيلي والتخطيط للجودة وضبط
الجودة وتحسين الجودة. والمعرفة بطرق وأساليب تحديد احتياجات التنمية المهنية
للعاملين في إدارة التعليم وفي المدارس. بالإضافة إلى المعرفة بالمهارات الأساسية كمهارة
إدارة الوقت وإدارة الاجتماعات ومهارة صنع واتخاذ القرارات ومهارة الحوكمة والتحفيز
والمعرفة في بناء المبادرات والمشاريع التطويرية. بالإضافة إلى المعرفة بأساليب إدارة
ومتابعة الميزانيات المالية والتدفقات المالية والمصروفات.
بالمعرفة تستطيع أن تتبنى مفهوم الإنجاز بالعمل والمشاركة مع العاملين
ومن خلالهم ومراعة ميولهم. مراعاة الميول هنا أقصد به ما يملكه العاملين من مهارة
ورغبة في العمل الذي يقومون به، الأمر الذي يساعدك في بناء فرق العمل المتميزة –
كأن تكون مثلاً مهارة وميول أحد العاملين في مجال الجودة والتميز أو في مجال الإشراف
التربوي أو النشاط الطلابي سيساعك هذا في تكليفه بما يستطيع ويتميز في أدائه.
القيادة التربوية ليست سهلة ولكنها أيضاً ليست بتلك الصعوبة التي لا يمكن تحقيقها.
النجاح والتميز في الإدارة والقيادة التربوية والتعليمية تتطلب المعرفة لكونها
مفتاح لكل نجاح وتميز كيف لا ونحن نعيش في القرن الحادي والعشرين عصر الثورة
الصناعية الرابعة الذي يتطلب التركيز عل المعرفة وإنتاجها ونشرها وحسن استثمارها بما
يحقق الإنجاز المتميز للأهداف الوطنية للتعليم والمنافسة العالمية. لأن مقاييس التميز
في التعليم في عصرنا الحديث لم تعد تتوقف على جودة المخرجات فقط، بل أننا أصبحنا مطالبون
بجودة المخرجات وقوة منافستها عالمياً.
هذا هو مفهومي وإجابتي لسؤال ماذا يعني أن تكون مديرا للتعليم؟ وكيف
تكون قائدا تربوياً مؤثراً؟ فإن امتلاك تلك المعارف والمهارات سيجعلك بعد توفيق
الله مديراً وقائدا مؤثراً.
هذه وجهة نظري ..
وتقبلوا تحياتي وتقديري لكم.
دعوة قبل شهر رمضان المبارك:
اللهم بلغنا شهر رمضان غير فاقدين ولا مفقودين .. آمين
كتبه أبوبكر بن أحمد ولي
مشرف تربوي بتطوير المدارس بتعليم جازان
الجمعة 4 مايو 2018.
18 شعبان 1439هـ
مقالة حميلة يا استاذ ابوبكر .. استمتعت بها جدا👍🌹
ردحذف